تحولات فى كيميا البشر
-1-
كتله واحدة(!!)
يمر العام تتجزأ إلى كتلتين يمر العام تتجزأ إلى ثلاث إلى أربع تتجزأ لكنها تستمر وتحيا، وتألفت على توحدها وترابطها ودوران البروتونات الصغيرة حول مدارة النوة الأم (!!)
الأم، وبناتها الثلاث ... فى الاستيقاظ هن معا، ومعا فى النوم، وربما رؤياهن فيالليل واحدة، ونبضات قلوبهن من الخوف ومن الفرح ومن الجرح واحدة (!!)
إذا أكلت صغراهن شبعت الكبرى، وإذا تألمت كبراهن بكت الصغرى، والمدار لا ينفصل أبداً عن فضاء الحب الذي حوطهن بقوى الجذب من اللحم والدم والأنفاس والطيب (!!)
وأبدأ لن تتوب العينان الساهرتان عن غطاء الأجسام الصغيرة كل مساء (!!)
وأبداً لن يمل الصدر الحنون عن احتضان الأكوان الحبيبة كل صباح (!!)
* * *
ذات صباح للأوراق النقدية فئة الألف والألفين .. والخمسة والعشرة، كان يتشكل حول النواة سياج يؤلمها، ويدغدغها. يهد كيانها (!!)
لم تكن تعلم الأم ان للأوراق وحزا كوخز الإبرة، وللأوراق وقع كوقع السهام (!!)
وتمضي الأيام .. ويخرج السياج الأم عن المدار للبنات الثلاث يفتت حبال الجذب ، يعلم العينين تكفين المآقي، ينفر الصدر من الحنان .. وحيدة هي تصحو، وتغفو، وتتمني ...، وحيدة هي تهبط وتحتضر وتتدني (!!)
والمدار يؤول إلى صغار، يتشاجرن، يتضاحكن .. يأكلن ويكبرن يتهامسن ويتغامزن، يتسابقن مع النهار...!! أليس هن الصغار!!
-2-
كانت تمشي – كعادتها معه- فى تأخر، ليسبق هو،، ويمشي فى تياسر، ليتيامن هو،...
وكعادتها معه، تزوم حين يبتسم ... تسكت حين يثرثر ! !
كانت تتنهد وهو يبصق على الفسيل الأخضر، ويأمرها: "انهضي نحن فى الطريق" !!
سحبت يدها الحانية، من يد طفلتها .. ساقتها إلى جواره، تشابكت أصابع الطفلة الهزيلة . بأصابع الأب الخشنة القوية. الأم ترقب ضحكات الابنة، لتضئ الفراغ الذي أظلمته الكلمات المفزعات
"خائبة .. مهملة .. متعبة .. دائماً ...!!"
وكعادتها تنظر إلى سماء الله، كلما شق عليها أمرها، تنظر، ولا تنطق، ويكاد المكنون المتكابد المنصهر يتأجج ويستجيب إلى نداءات وتوسلات ورجاءات وعذابات (!!)
" انهضي .. نحن فى الطريق "
يعيدها الزوج هذه المرة، فى غير ود أو تراحم أو حنان (!!)
تنهض – تعتصر حقيبة يدها السوداء. تسير مسرعة ليتباطأ هو ...، وتمضي العواصف
والأتربة والعربات ذات الألوان المختلفة (!!)
ولحظة، تقف تنظر الإشارة (!!) بينما الزوج والطفلة قد عبرا الطريق، ولحظة، تتجمع أجساد كل البشر المارين فى جسد ضخم واحد ولحظة، تصب كل النظرات الحنون في نظرة واحدة، يسلطها الآدمي كسهام مفزعة، وغربان أكولة!! تتوقف هي .. ترتعش .. تبصر بأعين متوجسة وتتشبث بمن فى الطريق المقابل، تتوسل بالعبرات والزفرات الحارة. ترقب البعيد الذي ينتظرها وقد أدمي قلبها، وتتمني لأول مرة قسوته "انهضي نحن فى الطريق"
ما إن رأت الضوء الأخضر ضاربا فى العمود المعدني، حتى جرت والسهام المرتشقة بها لم تزل تفزعها، والغربان الأكولة لم تزل تنهشها (!!) تجري، وتجري، وترتاح، وتمسك بحبال النجاة من الغرق، هذه الحبال اللحمية والتي انتهت خشونتها، سوف تمسك بتلابيبها باقي العمر (!!)
تمشي معها ومعه .. الخطوة إلى جوار الخطوة (!!)
وطفلتهما بينهما، تقفز من ثغرها الضحكة.
-3-
عادت من عملها، فى ساعة متأخرة من النهار، مسحت عرق الجبين بمنديل ورقي قديم، كان آخر منديل بالعلبة الورقية. فتحت صنبور المياه، بحثت عن قطرة واحدة.. دون جدوى!! ضغطت على المفتاح الكهربائي.
لعل اللمبة الصغيرة ترحم حالها، وتضيء، وتبصر وسط هذه العتمة لكن شيئاً من هذا لم يحدث !!
ألقت بالحقيبة والأوراق على المنضدة. سقطت مفاتيح المكتب والشقة من يدها. أحدثت صوتاً مشروخاً على الزجاج المشروخ (!!) لم تأبه بصراخ رضيعها. نهضت إلى حجرة الطعام جرت نحو الكيس الذي تلف به الأرغفة. كان الكيس فارغاً تماماً إلا من كسرات قديمة مقددة. مشت بخطوات متعبة إلى الحجرة المظلمة. كانت تنهر ابنتها. توشك أن تضربها وهي تزمجر وتتمتم "حتى الأرغفة ..!! حتى الخبز... !! لا يوجد"
عاد من العمل متعباً ، يفر المفتاح ويرتعش من بين أصابعه وهو يضعه فى ثقب الكالون المعدني، أغلق الباب. جلس، مسح عرق جبينه بيسراه المتعبة. نادي ابنته: "كوب ماء..
أريد كوب ماء!! ""
لم يلق جواباً. وقف. أدار جهاز الراديو، لم ينطق, أغلق الجهاز وبخطوات بطيئة سعي إلى حجرة الطعام، فتش عن رغيف طرى أو ناشف .. دون جدوى !! سعي ثانياً إلى الحجرة المظلمة .. جلس على المقعد المقابل لزوجته. ظل يتمتم، وهي تصغي إلى تمتماته
: " ماء.. لا يوجد .. كهرباء .. لا يوجد، حتى الرغيف .. لا يوجد !! "
لم يجد الزوج راحة إلا أن ينظر إلى زوجته، شعور واحد بالضيق وبالضجر وبالأرق الذي يجمعهما !!
لم تجد الزوجة راحة إلا أن تنظر إلى زوجها، مشاعر واحدة بالتعب والحيرة والظلمة تجمعهما !!
تدرجات واحدة تحيطهما من العطش إلي الظمأ إلى الصدى إلى الغلة! ومن الجوع إلى السغب إلى الطوى إلى المخمصة (!!)
ثم حاجة مشتركة من النعاس إلى الوسن إلى الرقود إلى الهجوع !!
كانت ابنتها قد انتهت من الطرق على باب الحجرة المظلمة .. خرجت الأم. قبلت ابنتها فى حنان غير معهود. حملت صغيرتها. راحت تسكتها بهدوء. أحضرت كسرات الخبز.
المقدد ظلت تأكل منها فى استمتاع !!
خرج الأب .. أنعشته قطرات الماء القليلة، كان يدندن الأغنيات ويشعر بحلاوة صوته
لأول مرة كأحلي ما تغني (!!) تأمل الأشياء من حواليه وهذا الضوء الساحر الذي يلف الحجرة الظلمة .. هل ما زالت مظلمة؟ !!
من قال إنها كانت منذ دقائق حجرة مظلمة؟ من قال ذلك؟! من قال...؟ !
نشرت فى مجلة المنتدى العدد (130)
ذو القعدة 1414م - مايو 1994م
* وتم نشر هذه القصة فى موقع دنيا الرأى بتاريخ 18 سبتمبر 2010 رابط : http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2010/09/18/209661.html
-1-
كتله واحدة(!!)
يمر العام تتجزأ إلى كتلتين يمر العام تتجزأ إلى ثلاث إلى أربع تتجزأ لكنها تستمر وتحيا، وتألفت على توحدها وترابطها ودوران البروتونات الصغيرة حول مدارة النوة الأم (!!)
الأم، وبناتها الثلاث ... فى الاستيقاظ هن معا، ومعا فى النوم، وربما رؤياهن فيالليل واحدة، ونبضات قلوبهن من الخوف ومن الفرح ومن الجرح واحدة (!!)
إذا أكلت صغراهن شبعت الكبرى، وإذا تألمت كبراهن بكت الصغرى، والمدار لا ينفصل أبداً عن فضاء الحب الذي حوطهن بقوى الجذب من اللحم والدم والأنفاس والطيب (!!)
وأبدأ لن تتوب العينان الساهرتان عن غطاء الأجسام الصغيرة كل مساء (!!)
وأبداً لن يمل الصدر الحنون عن احتضان الأكوان الحبيبة كل صباح (!!)
* * *
ذات صباح للأوراق النقدية فئة الألف والألفين .. والخمسة والعشرة، كان يتشكل حول النواة سياج يؤلمها، ويدغدغها. يهد كيانها (!!)
لم تكن تعلم الأم ان للأوراق وحزا كوخز الإبرة، وللأوراق وقع كوقع السهام (!!)
وتمضي الأيام .. ويخرج السياج الأم عن المدار للبنات الثلاث يفتت حبال الجذب ، يعلم العينين تكفين المآقي، ينفر الصدر من الحنان .. وحيدة هي تصحو، وتغفو، وتتمني ...، وحيدة هي تهبط وتحتضر وتتدني (!!)
والمدار يؤول إلى صغار، يتشاجرن، يتضاحكن .. يأكلن ويكبرن يتهامسن ويتغامزن، يتسابقن مع النهار...!! أليس هن الصغار!!
-2-
كانت تمشي – كعادتها معه- فى تأخر، ليسبق هو،، ويمشي فى تياسر، ليتيامن هو،...
وكعادتها معه، تزوم حين يبتسم ... تسكت حين يثرثر ! !
كانت تتنهد وهو يبصق على الفسيل الأخضر، ويأمرها: "انهضي نحن فى الطريق" !!
سحبت يدها الحانية، من يد طفلتها .. ساقتها إلى جواره، تشابكت أصابع الطفلة الهزيلة . بأصابع الأب الخشنة القوية. الأم ترقب ضحكات الابنة، لتضئ الفراغ الذي أظلمته الكلمات المفزعات
"خائبة .. مهملة .. متعبة .. دائماً ...!!"
وكعادتها تنظر إلى سماء الله، كلما شق عليها أمرها، تنظر، ولا تنطق، ويكاد المكنون المتكابد المنصهر يتأجج ويستجيب إلى نداءات وتوسلات ورجاءات وعذابات (!!)
" انهضي .. نحن فى الطريق "
يعيدها الزوج هذه المرة، فى غير ود أو تراحم أو حنان (!!)
تنهض – تعتصر حقيبة يدها السوداء. تسير مسرعة ليتباطأ هو ...، وتمضي العواصف
والأتربة والعربات ذات الألوان المختلفة (!!)
ولحظة، تقف تنظر الإشارة (!!) بينما الزوج والطفلة قد عبرا الطريق، ولحظة، تتجمع أجساد كل البشر المارين فى جسد ضخم واحد ولحظة، تصب كل النظرات الحنون في نظرة واحدة، يسلطها الآدمي كسهام مفزعة، وغربان أكولة!! تتوقف هي .. ترتعش .. تبصر بأعين متوجسة وتتشبث بمن فى الطريق المقابل، تتوسل بالعبرات والزفرات الحارة. ترقب البعيد الذي ينتظرها وقد أدمي قلبها، وتتمني لأول مرة قسوته "انهضي نحن فى الطريق"
ما إن رأت الضوء الأخضر ضاربا فى العمود المعدني، حتى جرت والسهام المرتشقة بها لم تزل تفزعها، والغربان الأكولة لم تزل تنهشها (!!) تجري، وتجري، وترتاح، وتمسك بحبال النجاة من الغرق، هذه الحبال اللحمية والتي انتهت خشونتها، سوف تمسك بتلابيبها باقي العمر (!!)
تمشي معها ومعه .. الخطوة إلى جوار الخطوة (!!)
وطفلتهما بينهما، تقفز من ثغرها الضحكة.
-3-
عادت من عملها، فى ساعة متأخرة من النهار، مسحت عرق الجبين بمنديل ورقي قديم، كان آخر منديل بالعلبة الورقية. فتحت صنبور المياه، بحثت عن قطرة واحدة.. دون جدوى!! ضغطت على المفتاح الكهربائي.
لعل اللمبة الصغيرة ترحم حالها، وتضيء، وتبصر وسط هذه العتمة لكن شيئاً من هذا لم يحدث !!
ألقت بالحقيبة والأوراق على المنضدة. سقطت مفاتيح المكتب والشقة من يدها. أحدثت صوتاً مشروخاً على الزجاج المشروخ (!!) لم تأبه بصراخ رضيعها. نهضت إلى حجرة الطعام جرت نحو الكيس الذي تلف به الأرغفة. كان الكيس فارغاً تماماً إلا من كسرات قديمة مقددة. مشت بخطوات متعبة إلى الحجرة المظلمة. كانت تنهر ابنتها. توشك أن تضربها وهي تزمجر وتتمتم "حتى الأرغفة ..!! حتى الخبز... !! لا يوجد"
عاد من العمل متعباً ، يفر المفتاح ويرتعش من بين أصابعه وهو يضعه فى ثقب الكالون المعدني، أغلق الباب. جلس، مسح عرق جبينه بيسراه المتعبة. نادي ابنته: "كوب ماء..
أريد كوب ماء!! ""
لم يلق جواباً. وقف. أدار جهاز الراديو، لم ينطق, أغلق الجهاز وبخطوات بطيئة سعي إلى حجرة الطعام، فتش عن رغيف طرى أو ناشف .. دون جدوى !! سعي ثانياً إلى الحجرة المظلمة .. جلس على المقعد المقابل لزوجته. ظل يتمتم، وهي تصغي إلى تمتماته
: " ماء.. لا يوجد .. كهرباء .. لا يوجد، حتى الرغيف .. لا يوجد !! "
لم يجد الزوج راحة إلا أن ينظر إلى زوجته، شعور واحد بالضيق وبالضجر وبالأرق الذي يجمعهما !!
لم تجد الزوجة راحة إلا أن تنظر إلى زوجها، مشاعر واحدة بالتعب والحيرة والظلمة تجمعهما !!
تدرجات واحدة تحيطهما من العطش إلي الظمأ إلى الصدى إلى الغلة! ومن الجوع إلى السغب إلى الطوى إلى المخمصة (!!)
ثم حاجة مشتركة من النعاس إلى الوسن إلى الرقود إلى الهجوع !!
كانت ابنتها قد انتهت من الطرق على باب الحجرة المظلمة .. خرجت الأم. قبلت ابنتها فى حنان غير معهود. حملت صغيرتها. راحت تسكتها بهدوء. أحضرت كسرات الخبز.
المقدد ظلت تأكل منها فى استمتاع !!
خرج الأب .. أنعشته قطرات الماء القليلة، كان يدندن الأغنيات ويشعر بحلاوة صوته
لأول مرة كأحلي ما تغني (!!) تأمل الأشياء من حواليه وهذا الضوء الساحر الذي يلف الحجرة الظلمة .. هل ما زالت مظلمة؟ !!
من قال إنها كانت منذ دقائق حجرة مظلمة؟ من قال ذلك؟! من قال...؟ !
نشرت فى مجلة المنتدى العدد (130)
ذو القعدة 1414م - مايو 1994م
* وتم نشر هذه القصة فى موقع دنيا الرأى بتاريخ 18 سبتمبر 2010 رابط : http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2010/09/18/209661.html